الجمعة، 23 أبريل 2010

يومياتي .. ومعاناتي

تحت سماء ملبدة بالغيوم ، في مشهد غاب عن سمائنا لفترة كانت هي الأطول في حياتي التي لا أرى فيها الغيوم تزدحم بالسماء ، تعلو فوق بعضها ، تحجب الشمس حينا وكأنها الطفل يقف أمام والده معاكسا له ، فتقوم الشمس بإبعادها حتى تتمكن من إلهابنا بأشعتها التي تخترق ثقب الأوزون لتصل إلى نفوخي محدثة (خرما ) في نفوخي يتسبب لي بصداع يصاحبني في ليلتي و غدي .

تحت هذ السماء سابقة الوصف ، كنت أمر بين شوارع المحروسة (المهروسة) بخفة ورشاقة ، لا يعيقني رصيف مرتفع عن الأرض (زيادة عن اللزوم ) أو شق في وسط الشارع يبتلع من يمر فوقه وكأنه الأخدود .
أتجاوز سيارات الشارع الصاروخية بطريقة لولبية ، يتلامس طرف بنطالي مع مقدمة الجانب الأيمن من كبوت تلك السيارة التي مررت من أمامها في برود ، يظن الرائي للوهلة الأولى بأنها قد صدمتني ، إلا أنني أقنع نفسي بأن صاحب السيارة عليه أن يتوقف مهما كلفه الأمر ،في ثقة لا حدود لها بأن هناك ما يمنعه من الارتطام بي .

فجأة ، تقع عيني على أحدهم ينضوي في ركن من الشارع
لم أعتد أن أر في هذا الركن أحد ،
إنه بائع جرائد ،
يارب لك الحمد و الشكر ،
لن أرهق نفسي وأجلدها وهي تطلع ذلك المطلع الذي أعاني فيه الأمرين عند طلوعه ، ذلك المطلع الذي لا أرى فيه نفسي إلا ( كبلياتشو ) يمشي على حائط رأسي
( لا تستغربوا ..فهذا طبيعي في المقطم )
بعد تلك المعاناة التي أعانيها في طلوع ذلك المطلع لشراء جريدتين أو ثلاثة ، ( حسب المزاج ) آخذ نصيبي من تلك النظرة التي لا أفهم لها سببا ، والتي لم يعد يهمني معناها ،
تلك النظرة التي يصبها عليبائع الجرائد صبا
لقد جبلت عليها ، وكأنها ( هوم وورك ) يقوم به عند رؤيتي .
...
دعونا من ذلك ، فقد عددت هذا من الماضي السحيق بمجرد رؤيتي لذلك البائع الجديد ،
انحنيت عليه في خفة لم أعهدها على نفسي من قبل ،
ذهبت أقلب الجرائد بعيني ، وأتجرع منها ما يصيبني بالهم المدقع ، أستزيد منها بما يعكر صفو مزاجي ، وينكد علي بقية يومي ،
هذا هو الطبيعي ،
في ظل كلمات كتبتها أيد أثيمة ، (في نظري ) بالطبع ليست كلها ،إذ تلوح بعض الكلمات التي كتبتها أيد يتيمة ، لا تجد من يشبهها في ذلك العالم من الكلمات التي تنظر إليها نظرة كتلك التي يرميني بها بائع الجرائد المذكور أعلاه

مددت يدي وتناولت من أوسط الجرائد ما اشتهته نفسي ، وإذا ببائع الجرائد الجديد هذا ، يرميني بنظرة ( أرض جو ) أتجنبها بمضاد الطائرات فتصيب حجرا بجانبي ، محدثة دوي انفجار مريع
يا إلهي
إنها لنفس تلك النظرة من ذلك البائع ،
أهو بروتوكول في اتحاد بائعي الجرائد
أم أن هذا أخوه
أم تراني قد قتلت لهم قتيلا

لا أدري
أظنني سأعتاد على هذا أيضا ،

يأتي من بعيد صوت ذلك المنادي الذي يخترق صوته أذني كصوت منبهي الذي كسرته اليوم عنما كنت أقوم بإخراسه .
( نفر واحد ..سيدة عيشة )
ومرة واحدة ، ومن قفزة حلزونية ، أستقر في ذلك المقعد الذي يكون من نصيبي في كل مرة ،
ذلك المقعد الثالث ( القابل للثني والفرد ) والذي بالطبع لا يمكنك أن تفرد ظهرك عليه
لأنك إن فعلت ،
فياسواد ليلك ، أو نهارك
حيث تجد من يغزك من الخلف بركبته في وسط تلك العصا التي يسمونها بالعمود الفقري ، مما يسبب آلاما مباشرة من المخ ،

حاولت أن أكون طبيعيا وأن أتبع التعليمات الصحية بفرد الظهر مستقيما ، وشد البطن ، مما جعلني أبدو كأحد هؤلاء الذين يأتون صباحا على شاشة التلفيزيون الحكومي ، لأداء التمرينات الرياضية ( حسب معلوماتي القديمة )
ينطلق السائق في سرعة هي القياسية في عالم المكروباصات ، حيث يضع الرجل قدمه على دواسة البنزين غير عابئ بازدحام السيارات ، وكأنه لا يخشى أن يلمس أحدها بسبب مفعول تلك الكبسولة والتي تنشيء حوله مجالا مغناطيسيا يبعد عنه تلك السيارات ،
أعلم تمام العلم بأن الاثنين الذان وضعهما القدر بجانب هذا السائق ، قد وضعا يدهما على قلبهما ، ونطقا بالشهادتين ، تحسبا لانتهاء مفعول الكبسولة العجيبة .
لقد جربت هذا الشعور سابقا
ليكن الرب في عونهما ، ولتشملنا رعايته

أقاوم ملل الطريق بتصفح الجريدة العجيبة ذات المانشيتات الرهيبة ،
أقلب عيني بين كلماتها ، فتتراقص أمامي ، أقاوم حرارة مانشيتاتها فأتصبب عرقا ،
وإذا بي أجد من بجانبي ،
وقد حشر رأسه في مجال جسدي مخترقا خصوصيته ،
ووقد شده مانشيت رياضي لم أعتد الانجذاب إليه ولا إلى تلك الصفحة
لقد دخل في المجال الذي ذكرته في السطر اللي فوق ،
وكأنني أمه التي خلفته ونسيته ، ويريد مني جرعة حنان
أحاول ان أخرج نفسي من هذا الموقف الذي يحرج أمثالي ،
فقلبت الصفحة
ويال المصيبة
..
..
..
لقد نظر إلي نظرة كتلك النظرة لبائعي الجرائد ، أتراه منهم
لا ، لقد كانت هذه أشد وأعتى
ثم تحركت شفتاه لينطق ، ( وهذا ما أكد لي أنه ليس بائع جرائد ، فهم لا ينطقون )
قال لي بكل ( أدب ) مش شايفني بأقرأ يا كابتن
..
..
حينها
وقف شعر رموشي
وارتجفت مفاصل أصابعي ،
وسلمته الجريدة بكل أدب واحترام
تكفيرا عن ذلك الذنب الذي بسببه ، نظر إلي كل من في الميكروباص ،
وكأن العيون صرخ بي
( مش شايفه بيقرا )

... نعم
لقد سلمته الجريدة ليقرأها كما يريد
وكنت بين الحينة والأخرى أسترق النظر لأرى ، هل فرغ الباشا من قرائتها ( في أدب بالغ

وبعد طول انتظار
سلمها إياي
قائلا :
شكرا يا كابتن
..
ونزل

ليست هناك تعليقات: