في الأزمات ..يخرجون من جحورهم
(المقال الذي نشر على إخوان أون لاين وتم حذفه لعدم مناسبته للسياسة التحريرية )
بقلم : عبدالرحمن عاصم
يلعب الإعلام المرئي والمسموع والمقروء دورا بارزا في تشكيل الرأي العام وتكوين الصورة الذهنية بالنسبة للمؤسسات والحكومات والجماعات والدول بصورة مباشرة وغير مباشرة ، عن طريق المواد التي ينشرها بهدف تحقيق أهداف تخدم مصالحه ومصالح من يقفون خلفه ، على اختلاف شخصياتهم وتوجهاتهم .
وقد كثر الحديث في أدبيات الإعلام عن المهنية الصحفية والموضوعية والحياد ، وبالغ الكثيرون في أطروحاتهم بهذا الشأن ، والتي أثبت الواقع استحالتها وعدم واقعية تحققها .
وبالرغم من ذلك فقد حاولت الكثير من المؤسسات الإعلامية أن تروج لنفسها باعتبارها مؤسسات موضوعية حيادية بعيدة عن أي توجهات ، لا تخدم سوى مصالح الجماهير ، ولا تسعى إلا إلى نقل الحقيقة المجردة .
وبالفعل ، فقد اكتسب بعضها ثقة الجماهير ورضاها .
قد تكون هناك بعض من هذه المؤسسات تتلمس طريق الموضوعية في "بعض " القضايا ، إلا أنها حقيقة لا تقوم إلا بخدمة مصالح من يقفون ورائها ، وتنفيذ أجنداتهم تجاه مختلف الأمور على الساحة المحلية والدولية .
وقديما اعتبر المصريون إذاعة البي بي سي إذاعة محايدة مستقلة تتعامل مع الأخبار بشفافية وحيدة ، إلا أنها في الواقع لا تقوم إلا بترويج السياسة الخارجية لبريطانيا ، ولا تسعى إلا لتحقيق مصالحها في الخارج ، وقد كشفت عن حقيقة توجهاتها عندما وجدت نفسها أمام أمرين ، إما أن تمارس الموضوعية وهو ما يتعارض مع سياسة بلادها ، وإما أن تتحيز إلى سياسة بلادها ضاربة بالموضوعية عرض الحائط ، وهو ما قامت به بعد قيام ثورة يوليو في مصر عندما شنت هجوما على السياسة المصرية ، بل أنشأت إذاعة سرية في العراق تهاجم الثورة المصرية ليل نهار .
وكان العدوان الثلاثي على مصر ثاني المواقف التي لم تستطع هذه الإذاعة أن تحافظ فيها على موضوعيتها ومصداقيتها أمام الرأي العام العربي والمصري ، فقد شنت حينها حربا إذاعية ، ونشرت البيانات الكاذبة بهدف إشاعة الفوضى .
وكذلك كان الحال بعد حرب 1967 ، فقد أخذت تذيع من خلال برامجها المتعددة هجوما على الدول العربية ، مشيدة بانتصار القوات الإسرائيلية .
وفي أيامنا هذه رأينا تلك الحملات التي تشنها وسائل الإعلام بشتى توجهاتها على جماعة الإخوان المسلمين ، وبالرغم من أن بعض هذه الوسائل كانت تقوم بحملاتها تلك على استحياء ، مغلفة بالاهتمام بشئون الجماعة وأحوالها الداخلية ، إلا أنها لم تتمالك نفسها عندما رأت ما تمر به الجماعة من أزمة وماصاحب الأزمة من عوامل من الممكن استغلالها للنيل من الجماعة بصورة أكبر ، فخرجت من جحورها وجعلت أخبار الجماعة أولى أولوياتها ، وجندت كل ما تملك من إمكانيات لاستغلال الفرصة التي لن تتكرر –قريبا على الأقل – في تاريخ الجماعة .
باعت هذه الوسائل والمؤسسات كل ما كانت تدعيه من موضوعية وحيادية في سبيل إلحاق أكبر أذى ممكن في جسد الجماعة ، لشق صفها والتمكن من خلخلة ثقة أفرادها ،
وقد ساعد على ذلك بعض العوامل التي لا يجب أن نغفلها وأن نعترف بها ، لنعتبر منها ونتجاوزها في المستقبل :
1- تصريحات القيادات لوسائل الإعلام دون التوافق على خطاب موحد مما أدى إلا تضارب بعض التصريحات ، وبالتالي انعكس هذا على ثقة الأفراد بالقيادة "في نظر البعض "
2- عدم متابعة الموقع الرسمي للجماعة لمجريات الأحداث مما أدى إلى فراغ معلوماتي لدى الأفراد ، لم يكن من الممكن ملؤه حينها إلا من تلك المصادر التي مارست دورها بكل براعة في زعزعة الثقة وإبراز التضارب وإشعال الأزمة داخل الجماعة .
3- تبني بعض وسائل الإعلام ذات الصبغة الإسلامية وصاحبة الجمهور العريض من أبناء الحركة الإسلامية لهذه الحرب ،ودخولها فيها بكل ثقلها .
وقد يقودنا هذا إلى نظرية هامة ، وهي أن وسائل الإعلام أيا كانت ، تتبنى أيدولوجيات معينة قد تظهر وقد لا تظهر ، كما أنها تسعى لتنفيذ أجندات محددة تبرزها المواقف حين تتقاطع هذه المواقف مع مصالحها الخفية ، فلا تتمالك إلا أن تضرب بالموضوعية وكل أخلاق المهنة عرض الحائط ، وتتحيز إلى ما يخدم مصالحها ، ويناسب أيدولوجياتها .
بل وقد تتمادى بعضها إلى استخدام بعض الأساليب الرخيصة لتأليب الرأي العام وللنيل من بعض الرموز والقيادات وزحزحة الثقة فيها أمام أفراد صفها .
وأن الجماعات التي لا تملك أجهزة إعلام قوية ، تكون عرضة للهجمات التي قد تؤثر على وحدة أفرادها وتماسك صفها